يتحدث الفيلسوف الاجتماعي والطبيب النفساني الفرنسي ذو الأصول الأفريقية، فرانتز عمر فانون، عن فكرة له أسماها (Disalienation) والتي أترجمها إلى «تعطيل الاغتراب»، تتلخص هذه الفكرة في أنها المجهود المشترك من قبل طرفي الالتقاء – التقاء أفراد من ثقافات مختلفة، أو التقاء مجتمعات من ثقافات مختلفة – في محاولة لتقليص الميل الغريزي والتلقائي لتغريب الآخر (alienation of the other) والذي كنتيجة له لا يمكن فهم هذا الآخر تمامًا. إن النظرة الدونية للآخر والنظرة التفضلية للذات – أو العكس – تنبع منه تبعات جمّة غير محمودة، فيجوز على سبيل المثال في حق هذا “الآخر” ألا يُعتبر إنسانًا في المطلق (dehumanization).

وذكرني هذا المفهوم بتحليلات المفكر والمنظر الكبير البروفيسور إدوارد سعيد في كتابة «الاستشراق» والذي يتحدث عن ظاهرة الاستشراق (Orientalism): الشعوب البيضاء، كيفية نظرتهم إلى الشعوب العربية والتي نجدها في الدراسات الشرقية في العصر الاستعماري وأن نظرتهم لهذه الشعوب إنما نظرة استنقاصية أو مشوهة قليلًا في أحسن الأحوال، لأنه من منظور غربي ضيق للغاية. وأحيانًا أخرى تعظيمية إلى حد انفصال هؤلاء الشرقيين التام عن كونهم بشرًا. وفي كلا الحالتين، يُعتبر الشرقي “آخرًا” لا يمكن أن يجد الأبيض فيه صفات يمكن أن يتصل بها أو يألفها. عندما يتم تعظيم أحد الشعوب، يكسبه هذا الأمر هالة من الغموض وقد يأخذ منحنى غير صحي. نرى هذا النوع من التغريب في كثير من دراسات تعنى بشعوب العالم القديم، كشعب الفراعنة على سبيل المثال وأهراماتهم التي لا تزال أحد أعظم الإنجازات البشرية على الإطلاق؛ هنالك من يؤمن أنه لا يمكن لإنسان، ناهيك عن إنسان بدون تكنولوجيا حديثة، أن يكون خلف تلك الإنجازات الهندسية العظيمة. هذا النّوع، ولو كان أقل خطرًا من النّوع الآخر بكثير، إلا أنّ له عدة تبعات غير محمودة. أما النّوع الآخر، فهي نظرة مغايرة، وهي القدرة على استصغار قيمة الآخر حتى يكف عن كونه إنسان ذو مشاعر وتجربة حقيقية، انتزاع إنسانيّته تمامًا. ولربما تأتّى هذا إلى تبرير فعل الجرائم بحقهم، كالاستعباد والاستعمار، كما فعلت، ولا تزال تفعل، الشعوب البيضاء بحق الشعوب الأخرى. هذا النوع من التغريب هو الأخطر بلا أدنى شك.

تحدث فانون عن هذا المفهوم تعطيل الاغتراب في كتابه «بشرة سوداء، قناع أبيض» والذي يحكي فيه عن معاناة الزنوج من قبل الشعوب البيضاء إثر الاحتلال الغاشم. واقترحها كحل حقيقي وعملي للمشاكل المترتبة على التقاء الحضارات الحتمي في ضوء حتمية التطور البشري. على الرّغم من إيمانه التّام بأن ما سُلب ونُهب بالقوة، لا يسترد إلا بالقوة. وإنّه من حق المظلوم أن يسترجع حقه، كان هذا بالطرق القانونية، أو بالقوة إن كان الظلم هو القانون.